هـذ ه قصة حقيقية وقعت في إحدى قرى صعيد مصر، رواها لي أحد إخواننا المصريين ، دارت فصولها على النحو التالي:- كانت هناك شابة في العقد الثالث من عمرها عندما رحل زوجها إلى جوار ربه وترك لها طفلين صغيرين في بداية الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية ، وكانا يملئان عليها حياتها مما جعلها ترفض كل من تقدم لخطبتها رغبة في التفرغ لتربيتهما
وخوفا من دخول رجل غريب في حياة الأسرة لا يعوض بالتأكيد حنان الراحل ومكانته وربما نغص عليهم حياتهم بقسوة المعاملة وجفاف الأبوة الحانية ، لذا قررت أن توهب زهرة شبابها وتتفرغ لتربيتهما والسهر على مراحل دراستهما حتى اكملا المرحلة الابتدائية والمراحل اللاحقة لسنوات الدراسة وهي تحلم بالمستقبل وتعد الأيام والشهور حتى انهيا المراحل الثلاث واستعدا لدخول المرحلة الجامعية ، وتم ذلك ، ولكن في مدينة بعيدة عن سكنها ، وكيف تستطيع فراقهما00؟ ولكن لابد من ما ليس منه بد ، حيث اعتبرت ذلك من تكاليف قرار التضحية لمستقبل زاهر وأيام تقر عينها ، وترى أ أولادها وقد تبوءا مكانة عالية بعلمهما وعوضاها سنوات الحرمان .. ومرت سنوات الدراسة الجامعية طويلة على قلب الأم الحنون ، وفلذات أكبادها بعيدين عنها وهي تصارع أيام الفراق ، وتمر الأيام والليالي وتتوالى الفصول وتتابعت الشهور والسنوات 000 حتى جاء اليوم الذي استلمت فيه النبأ السعيد من ابنيها وزفا إليها تخرجهما من الجامعة واستلامهما الدرجة الجامعية التي تؤهلهما لخوض غمار الحياة ، وتعويض الأم الصبورة .. سنوات التعب والحرمان، إنها للحظة سعيدة وهي ترى اليوم الذي انتظرته سنوات طويلة وتعبت لأجله أياما عديدة ، تراه وهو ماثل أمامها ، قرأت البرقية والدنيا لا تسع فرحتها الغامرة ، فقامت واعدت البيت الصغير بأبهى ما تستطيع تجهيزه من أدوات بسيطة ، وبسطته بأفضل ما لديها من فرش ومجالس لاستقبال اعز ما تملك في حياتها ، ودخل الشابين على أمهما وهما ممتلئين شبابا وفتوة ومتسلحين بسلاح العلم والمعرفة ، وكان اللقاء المنتظر ، ودخلا عليها واحتضنت الأم الحنون فلذات أكبادها عند الباب وعانقت كل منهما وقلبها يكاد يطير من شدة الفرح باللقاء ، وبعدها حط كل واحد منهما ظهره على الجلسة المعدة لهما ، وطلبا من أمهما أن تبدأ بإعداد براد الشاي الذي افتقداه في غربتهما ، والذي طالما كانت تضعه لهما ، فردت على الفور بالسرور و أحضرت البراد الجديد الموضوع على الرف منذ مدة طويلة لمثل هذه المناسبة السعيدة في حياتها 000وتم ذلك ،وجاءت الأم لولديها بالشاي ، وسكبت في فنجان كل منهما ، وطلبت منهما أن يحتسيا الشاي ريثما تعد هي طعام الغداء لهما ، فردا عليها أن أسرعي يا أماه فنحن مشتاقين إليك كثيرا ونريد أن نتحدث إليك ، فأجابت أنها اكثر اشتياقا لهما ، وقالت: سأعود حالا بعد تحضير الطعام ، وتركتهما يحتسيان الشاي وهما متكئين على المجالس ودخلت المطبخ ، وما هي إلا فترات حتى أعدت الطعام وعادت مشتاقة إلى ولديها للدردشة والتحدث إليهما ، ودخلت المجلس وإذا بها تقابلهما وكل واحد منهما متكئ على الآخر ، فظنت أن ذلك من آثار السفر وتعب الطريق ، ونادت كل واحد باسمه ليستيقظا فلم يجيبا ، وكررت النداء معاتبة بان الوقت ليس للنوم وإنما للحديث ، وتابعت ذلك بهز كل منهما ، وإذا بها تفاجئ بما لم يخطر على بالها 000
حيث سقط كل واحد منهما جثة هامدة ، ويا للهول والصدمة العنيفة على الأم المسكينة ، وإذا بها تصرخ بما بقي لها من نفس ، صرخة سمعها الجيران الذين اقبلوا مذعورين للاطلاع على ما حدث ، وإذا بهم يشاهدون أما مثكلة جالسة أمام ابنيها المطروحين أرضا وهي في حالة وجوم شديدة وهي تحدق إلى ولديها فاقبل الجيران ينادونها ويسألون ما الخبر وماذا جرى ؟؟ ولا يجدون منها ردا ، كأنهم يتحدثون إلى جماد لا ينطق ولا يسمع ، وراو ابنيها وهما ممددين جثة هامدة ، فقرروا استدعاء الشرطة ورجال المباحث ، وما هي إلا لحظات حتى بوشر في التحقيق ، وأخذت الأم المسكينة الغائبة عن الوعي ومن حولها ... إلى المشفى ، وباشر رجال المباحث التحقيقات والإجراءات اللازمة لمعرفة سبب هذه المصيبة وما إذا كان هناك وجود شبهة إجرامية .. وتم نقل الجثتين ، واستمرت التحقيقات والإجراءات الرسمية حتى توصلت الجهات الرسمية بعد أيام قليلة إلى ا لأ سباب الحقيقية لهذه المأ ساة ...
أن الأم المسكينة حينما احتفظت بالبراد الجديد منذ مدة طويلة ،دخل به بطريقة أو بأخرى عقرب سام وعندما أرادت أن تصنع الشاي لم تقم بغسله وتنظيفه على اعتبار انه جديد ، وإنما وضعت الشاي والسكر والماء المغلي فيه ووضعته على النار لكي يجهز وبه العقرب الذي مات بداخل البراد وانساب سمّه واختلط بالبراد الذي انتهى في جوف وأبدان ابنيها ... وحفظت القضية في النيابة على ذلك 000 ولكن00 ماذا عن الأم المسكينة ؟!! إنها من قصص الحياة التي لا يكاد باستطاعة قاص أن يقوم بتأليفها.