"في احدى المدن العربية الكبيرة ، رمت بي الظروف الى الشارع ، ولم يقبل أي فندق قبولي لأنني لم أكن من أهل البلد وأوراقي غير سليمة الى حد ما وكان لزاما علي السفر من هذه المدينة الى مدينة أخرى تبعد حوالي 1300
كيلومتر ‘ طرقت كل الأبواب دون جدوى ، كان يوم عاشوراء والدوائر الرسمية في اجازة ، لايهمني فأنا متعود على الصعاب لاسيما وأنني فلسطيني من الأرض المحتلة.
ومن باب الأحتياط ذهبت لمركز الشرطة وأخبرت الضابط المناوب بحكايتي وأنني سأغادر المدينة في اليوم التالي صباحا , وطلبت منه مساعدتي ،لكن دون جدوى....بعد أن تضايق من كلامي قال لي : أنت يبدو شاب متعلم وتستطيع أن تتدبر أمرك ولا أملك لك حلا..هناك مسجد في المكان الفلاني فاذهب ونام به الى الصباح ..... استحسنت الحل وذهبت الى المسجد ‘ وكان هناك رجل واحد في المسجد يضع بعض البخور فأخبرته بحالي ، وإذ به ينتفض وكأن به مس ويقول هذا بيت الله وليس فندقا ! ولماذا تترك بلدك لليهود ليأخذوها وتأتون لتأخذوا خير بلدنا ؟لماذا لاتحرروا بلدكم كما حررنا بلدنا من الأستعمار الإيطالي ..؟
لاأخفي عليكم ....أن مخي الفلسطيني كاد أن يثور وبكل ما أملك من ارادة كتمت غيظي.. واحترمت بيت الله ثم كبر سنه وبكل برود قلت له : أريد أن أصلي العشاء ......ولا هذه ممنوعة أيضا !!! فسكت ولم يعقب .
في هذه الأثناء هطل مطر غزير جدا وأثناء الصلاة كنت أغلي فقد عزت علي نفسي وتأثرت كثيرا من كلام الرجل..لاخوفا على نفسي ولكن المشاعر الإنسانية غريبة جدا لاتخضع غالبا لمنطق عقلي..... وانتبهت الى الإمام وكان مصريا وهو يقرأ ( .....ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لايحتسب ) وبيني وبين نفسي استبعدت ذلك وربما تبسمت وقد قفزت الى ذهني صورتي وانا في الشارع بلا مأوى في هذا المطر الشديد .....
عندما حادثت الرجل لم يكن هناك أي شخص في المسجد , ولكن اكتشفت فيما بعد أن أحدهم قد سمع الحوار وكان هناك بابا أخر للمسجد يفتح على حارة سكنية ، اذ أنني بعد أن أنهيت صلاتي وبدأ الناس في التفرق ,ذهبت لأخر المسجد لاحضر حقيبتي الصغيرة وإذ برجل في منتصف العمر يقول لرجل آخر كبير السن ذو لحية بيضاء ووجه منير تظهر منه بشاشة الإيمان ولاتملك الا أن تحبه: هذا هو الشاب ....( مشيرا الي )
قال لي الرجل المسن : ياشاب أتريد المبيت ؟
قلت له : لا
فرد ثانية بالله عليك ,
وهكذا تمكنت من المبيت في مكان آمن في تلك الليلة بفضل الله وحده .... "